التعميــر : دور الإدارة والأفراد في إعداد تصميم التهيئة
دور الإدارة والأفراد في إعداد تصميم التهيئة
تتم عملية إعداد تصميم التهيئة باعتباره أداة للتخطيط
الحضري يهدف إلى التحكم في استعمال ومراقبة المجال وضبطه، حسب ما نص عليـه
القانـون رقـم 90-12 المتعلق بالتعمير،
عبر تدخل مجموعة من الأطراف، حيث أنه لغاية 1993 كان اختصاص إعداد تصميم التهيئة
يعود للإدارة المركزية، لكن بعد إنشاء الوكالات الحضرية أصبحت تقوم الإدارة المركزية بدور المشرف فقط وأصبحت
الوكالة الحضرية هي المختصة بإعداده (الفقرة الأولى) وإلى جانبه توجد الإدارة
الجماعية فهي الأخرى تساهم في إعداد تصميم التهيئة وإن كان دورها يتسم بالمحدودية
مقارنة مع الوكالة الحضرية (الفقرة الثانية)، هذا مع العلم أن هناك إمكانية لاشراك
الخواص والأفراد في عملية الإعداد هذه (الفقرة الثالثة).
الفقرة
الأولى: دور الوكالة الحضرية في إعداد تصميم التهيئة
تعرف المدن المغربية تطورا اقتصاديا وإداريا وعلميا
يجعلها قبلة للعديد من سكان البوادي مع ما يترتب على ذلك من انتشار البناء
العشوائي ودور الصفيح ولهذا السبب عملت السلطات العامة على تعميم الوكالات
الحضرية على مختلف المدن لتسوية مشاكل التخطيط والتدبير الحضريين. منذ إنشاء الوكالة الحضرية للدار البيضاء سنة 1984
إلى غاية الآن، وهذه الأخيرة تخضع لوصاية الدولة الإدارية والمالية المفروضة على
المؤسسات العامة.
وهكذا تقوم الوكالات الحضرية بدور أساسي في عملية
إعداد تصميم التهيئة حيث نصت المادة 19 من المرسوم التطبيقي للقانون رقم 90-12 على
أنه "يتم إعداد مشروع تصميم التهيئة بمسعى من الوزارة المكلفة بالتعمير ...
مع مراعاة الصلاحيات المسندة في هذا الميدان إلى الوكالة الحضرية بموجب التشريع
الجاري به العمل".
وبالرجوع إلى مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة
الثالثة من القانون المحدث للوكالة الحضرية نجدها تنص على أنه "تتولى الوكالة
الحضرية في نطاق اختصاصها تحضير مشاريع وثائق التعمير المقررة بنصوص تنظيمية خصوصا
خرائط التنطيق ومخططات التهيئة ومخططات التنمية".
وانطلاقا من هذه المقتضيات القانونية، يتضح حجم
مساهمة الوكالات الحضرية في مجال التخطيط الحضري، حيث تبقى هي المكلفة والمشرفة
على إعداد تصاميم التهيئة وصياغة البنود الخاصة بالصفقة المتعلقة بمشروع الوثيقة،
وتحدد المبلغ المالي المناسب لإعداد المشروع كما تتابع مختلف مراحل الإعداد بدءا
بطلب نشر العروض إلى غاية نهاية إعداد مشروع تصميم التهيئة الذي سيتم تقديمه أمام
اللجنة المحلية وفي بعض الحالات أمام اللجنة المركزية قبل أن يحال المشروع على
أنظار المجلس الجماعي لإبداء رأيه فيه
وتجدر الإشارة في الأخير إلى أنه إذا كانت الوكالة
الحضرية تقوم بدور مهم في إعداد تصميم التهيئة فإن الأمر على خلاف ذلك بالنسبة
للإدارة الجماعية.
الفقرة الثانية: دور الإدارة الجماعية في إعداد تصميم
التهيئة
تعتبر الجماعات المحلية فاعلا أساسيا في تحقيق
التنمية الاقتصادية والاجتماعية والعمرانيةعن طريق استغلال رصيدها العقاري وتجهيزه وتهيئته،
فهي التي تعطي للأراضي العقارية طابعها العمراني بفضل تصميم التهيئة وما يتضمنه من
تجهيزات أساسية ومرافق اجتماعية ضرورية.
وعلى الرغم من الطابع المحلي لتصميم التهيئة، وأهميته
بالنسبة للنمو العمراني والمجالي للجماعات الحضرية، فإن هذه الأخيرة لا تقوم أثناء
إعداده إلا بدور ثانوي في مقابل الدور الأساسي والمهم للوكالات الحضريةإذ تقوم بدور استشاري محدود رغم أنها تعتبر فاعلا
مهما في سياسة التخطيط والتدبير الحضريين وهكذا فهذه الجماعات تركز اهتمامها على مرحلة الاستشارة
المحدودة فقط.
هذه المحدودية أكدها أيضا المشرع المغربي في إطار
المادة 23 من القانون رقم 12.90 التي تنص على أنه "يتم وضع مشروع تصميم
التهيئة بمبادرة من الإدارة وبمساهمة الجماعات المحلية ..." والملاحظ على هذه
المادة أنها لم توضح مدلول هذه المساهمة والكيفية التي تتم بها، وبالتالي ظل دور الجماعات الحضرية يقتصر على إبداء
الرأي عندما يحال عليها مشروع تصميم التهيئة داخل المدة المحددة قانونا.
هذا إضافة إلى أنه من الناحية العملية فالاقتراحات
والآراء التي تبديها الجماعات الحضرية بشأن مشروع تصميم التهيئة تظل غير ملزمة
للوكالات الحضرية، فلها أن تأخذ بها أو أن تتركها جانبا.
وهكذا إذا كان ظهير 1976 المتعلق بالميثاق الجماعي، والمعدل بمقتضى القانون رقم 78.00، قد خول للجماعات المحلية عدة صلاحيات في مجال التخطيط الحضري وكذا اتخاذ جميع التدابير التي تحقق لها التنمية داخل
نفوذها الترابي فإن القانون رقم 90-12 جاء ليحد من هذه الصلاحيات،
وهو ما يخالف التوجهات الملكية السامية في الخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة بمناسبة
ملتقى الجماعات المحلية في شهر دجنبر 2006 بأكادير بشأن تدعيم وترسيخ اللامركزية في إدارة الشؤون المحلية.
والرأي فيما أعتقد أن تجاوز هذا الوضع وتحقيق أهداف
تصميم التهيئة يتطلب إشراك الجماعات المحلية في عملية إعداده ودراسته، حيث ذهب
العديد من المتدخلين في المشاورات الجهوية والمحلية حول مدونة التعمير التي نظمتها
الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالإسكان والتعمير طوال شهر مارس 2006،
إلى الجزم بأن تحقيق تلك الأهداف لن يتأتى إلا من خلال تخويل الجماعات المحلية
الحق في إعداد وثائق التعمير في إطار تشاوري وتوافقي ومنصف في شكل مشروع مجالي
وحضري تساهم في تجسيده كل الأطراف المعنية
بالتعمير وهذا ما أكده مشروع مدونة التعمير الجديد الذي ساير التوجه الفرنسي والذي أعطى للجماعات
المحلية سلطة إعداد تصميم التهيئة.
الفقرة الثالثة: مدى إمكانية إشراك الأفراد في عملية
إعداد
تصميم التهيئة
تقتضي المبادئ الأساسية للديموقراطية ضرورة إشراك
السكان فيما يتعلق بتدبير شؤونهم داخل الجماعة المحلية سواء من الناحية الجغرافية
أو المجالية أو العمل على تحقيق التنمية والتنافس حتى تكون جماعتهم في أحسن حال فهل فكر المشرع المغربي في الدور الذي يقوم به
الأفراد في مجال إعداد تصميم التهيئة؟.
بالرجوع إلى مقتضيات القانون رقم 90-12، وكذا المرسوم التطبيقي له نجدها لا تسمح للأفراد والخواص بالمساهمة والمشاركة
في عملية إعداد مشروع تصميم التهيئة إلا في مرحلة واحدة وهي مرحلة البحث العلني، حيث يمكن لهؤلاء الأفراد تسجيل
ملاحظاتهم وتحفظاتهم وإبداء رأيهم حول المشروع.
والملاحظ على المستوى العملي أن السكان هم الطرف
الغائب عن المسطرة فهم لا يعلمون بمشروع التصميم ولا بوجود مسطرة البحث العمومي،
قصد إبداء رأيهم حول تطور نمو المجال الذي يعيشون فيه كما أن عدد الأفراد الذين يشاركون في هذه المسطرة
محدود جدا حيث ينحصر في الأشخاص المتضررين
من الارتفاقات التي سوف تتحملها عقاراتهم في حالة المصادقة على مشروع تصميم
التهيئة رغم أن جميع السكان يعنيهم هذا الأخير بشكل مباشر مما قد يؤدي إلى نتائج معاكسة للتي توخاها المشرع
المغربي في القانون رقم 90-12.
وأعتقد أنه يجب إتاحة الفرصة لجميع المواطنين والخواص
لإبداء رأيهم حول مشاريع التجهيزات الأساسية التي يتضمنها تصميم التهيئة، ذلك أنه
لتحقيق أهداف هذا المشروع يجب إشراك جميع الفرقاء المعنيين بما فيهم الملاكين
العقاريين والمستثمرينوهو ما أكده جلالة الملك في الرسالة الملكية الموجهة
إلى المشاركين في اللقاء الوطني لإعطاء انطلاقة مشروع مدونة التعمير حيث جاء فيها
"... ينبغي أن يعتمد المقاربة الديموقراطية القائمة على التشاور الواسع مع كل
القطاعات والهيئات المعنية بإشراك المنعشين العقاريين والفاعلين المحليين
..."، وهو ما ذهب إليه بالفعل مشروع المدونة المذكور في
المادة 29 منه.
اضف تعليقاً عبر:
الابتسامات