-->
رسائل و اطروحات وكتب قانونية
»نشرت فى : الأحد، 29 أكتوبر 2017»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

سلسلة شرح القضاء الإداري الجزء الأول




من المعلوم ان المغرب قبل الحماية كان كباقي الدول الاسلامية يعتمد اساس على مبادئ واحكام وقواعد الشريعة الاسلامية الغراء في جميع الميادين بما في ذلك مراقبة سير الامور العامة التي تشرف عليها السلطات الادارية وبذلك لا يمكن ان نؤكد بان المغرب في هذه الفترة كان يعرف قانونا اداريا مستقلا ومتميزا عن القضاء العادي .

ومن جهة اخرى من الملاحظ ان المغرب لم يكن يعرف حينها اي صورة من فصل السلطات الواضح والبين، الشيء الذي كان يستحيل معه على القضاة انذاك ان يصدروا احكاما ضد الادارة، لكن هذا لا يعني ان السلطات الادارية كانت تتمتع بسلطات مطلقة تجاه رعاياها،بل تجد تخفيفا لوقع ممارسة السلطة من خلال تطبيق واحترام القواعد العامة التي تقرها الشريعة الاسلامية في كل ما يتعلق بعلاقة الحاكم بالمحكومين، سواء على مستوى السلطات العليا او على مستوى السلطات المتوسطية المرتبطة بالادارة المخزنية[1] او على مستوى السلطات المحلية المرتبطة مباشرة بالمواطنين في مختلف الجهات بالمغرب وبالاضافة الى ذلك كان المغرب يعرف قبل الحماية وجود بعض المؤسسات الترابية الاصيلة وكل اليها مراقبة حسن سير عدة مرافق من اجل الحفاظ على الصالح العام ودرء المفاسد عن المجتمع وجعل حد لاي تعسف يمكن ان يمارس ضد هذه المصالح العامة وابرز هذه المؤسسات نجد المحتسب ورجل المظالم ووزير الشكايات.

1)
فالمحتسب الاصيل كان يسهر على حسن احترام النصوص الخاصة بعلاقة المواطنين مع بعضهم في معاملاتهم اليومية ومراقبة الاسعار وزجر الغش ومعاقبة المخالفين والمتلاعبين بمصالح العموم والبحث والتحري بصفة عامة في كل ما يدخل في نطاق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ومن هذا المنطلق يبرز دور مؤسسة الحسبة في الدولة الاسلامية على انها احدى الوظائف او الولايات العامة التي تقف الى جانب ولاية القضاء العادي وولاية قضاء المظالم حيث تمزج فيها التصرفات الادارية اليومية الجارية مع بعض الممارسات القضائية ذات التنفيذ الاني والمباشر وهي تهدف الى تطبيق مبدا المشروعية وسيادة القانون في المعاملات التجارية في المجتمع عامة في الاسواق، وفي الخلافات اليومية التي تقع بين الناس خاصة، وتبدو هذه النواحي بوضوح في تعريف الامام الماوردي ( امر بمعروف ظهر تركه، ونهي عن منكر ظهر فعله)، والجدير بالذكر ان المغرب قد غرف من هذا الموروث الفقهي والشرعي الاسلامي، بل ان وزارة الشكايات بالمغرب كانت تجسيدا لهذه الولاية ورفع المظالم كان من اوكل المهام التي يضطلع بها السلطان، باعتباره القاضي الاسمى، وقد كان الحسن الاول، يومي الاحد والثلاثاء من كل اسبوع يجلس للسماع للشكاوي التي تصله، وكان الخلفاء يولون بانفسهم المظالم ويخصصون لها اياما معلومة عند العموم، واذا استقبلوا وفدا استفسروه عن سيرة العمال والقضاة في مناطق نفوذهم قبل كل شيء، وكان المحتسب من اهم الموظفين التابعين لسلطة القاضي بينما كانت تحت نظر المحتسب امناء الاسواق بالمدن والقرى، وقد يستقبل الخليفة نفسه هؤلاء الامناء احيانا فيسالهم عن احوال السوق والاسعار .

2)
اما رجل المظالم الذي كان يوجد على راس خطة المظالم فلقد وكل اليه مراقبة رجال السلطة الادارية من عمال وولاة، كما انه كان يقضي احيانا في بعض النوازل .

وولاية المظالم كانت جزءا مما يتولاه ولي الامر الاعظم ونعني السلطان او الخليفة ويقيم فيه نائبا عنه احيانا اخرى، والشرع يوجب رفع الظلم ولو كان من الخليفة الاعظم نفسه الذي اختير اختيارا شرعيا كما يقول الشيخ ابو زهرة [2]، وقد اسهب الماوردي في الحديث عن ولاية المظالم التي تحتاج الى سطوة الحماة وثبات القضاة، ويقول عنها ابن خلدون ( النظر في المظالم وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة ونصفة القضاة وتحتاج الى عول يد وعظيم رهبة، وتقمع الظالم من الخصمين وتزجر المعتدي وكأنه يمضي ما عجز القضاة او غيرهم عن امضائه)[3] اما وزير الشكايات فكان يوجد بالقرب من السلطان، وكان يمكن للمواطنين بان يتقدموا اليه بتظلماتهم ضد السلطات الادارية ويختار منها ما يراه مقبولا ويلخصه ويعرضه على السلطان ليتخذ هذا لاخير القرار اللازم.

هكذا نجد ان المغرب لم يعرف قضاء اداريا منفصلا عن القضاء العادي قبل الحماية بل كانت تطبق على العموم قواعد الشريعة الاسلامية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وبالتالي لم يكن القضاء مكلفا بمراقبة اعمال الادارة بل كان القضاء نفسه معرضا للشكايات اذ كان بامكان المواطنين ان يتظلموا الى وزير الشكايات ضد بعض القرارات الصادرة عن القضاة .

وقد بدات هذه المرحلة تنتهي مع بداية التغلغل الاجنبي في المغرب والتي توجت بمعاهدة الجزيرة الخضراء الموقعة بتاريخ 7 ابريل 1906 وما يهم من هاته المعاهدة هي البنود التي عملت على ادخال قواعد جديدة ومتميزة عن القانون الخاص، والتي لها ارتباط بالقانون الاداري تتعلق بعضها بمسطرة نزع الملكية لاجل المنفعة العامة وتحديد كيفية البت قضائيا في النزاعات الخاصة بالاشغال العمومية وعقود الامتياز، وذلك لحماية المصالح الخاصة للشركات الاجنبية، لكن لابد من الاشارة الى ان تلك التجربة بقيت محدودة الى ان جاءت الحماية الفرنسية التي عملت على وضع قواعد اساسية متميزة عن القواعد الخاصة بعد فرض معاهدة الحماية في 30 مارس 1912
.

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus

الابتسامات

0102030405060708091011121314151617181920212223242526272829303132333435363738394041424344

design by : droit-org, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة الشأن القانوني مدونة الشأن القانوني 2017 - 2020