القانون الضريبي في العصور الوسطى و الدولة المعاصرة
إن
مولد القانون الضريبي الحديث مرتبط أشد الارتباط بظهور النظام البرلماني في العصور
الوسطى و بالأخص في إنجلترا أولا و في فرنسا ثانيا، بحيث يمكن القول أن كل من
القانون الضريبي و النظام البرلماني يؤثر و يتأثر بالأخر، فمن ناحية ظهر النظام
البرلماني كرد فعل نتيجة لوجود الأزمات
المالية و حماية للمحلفين بالضرائب فالبداية التاريخية لهذا التلازم بين الضريبة
كمفهوم و تطور الأفكار الديمقراطية كانت إنجلترا حينها اضطر الملك سارل الأول إلى
أن يصدر عام 1628 و ثيقة إعلان الحقوق Petition of Rights التي تقرر فيها ضرورة موافقة
البرلمان الإنجليزي على ما يفرض من ضرائب و في فرنسا على إثر الثورة الكبرى 1789 تم
بعد ذلك في بلدان المعتنقة للمبادئ الديمقراطية، و تجسد هذا التطور في الحصول على
موافقة وإذن البرلمان لفرض الضرائب، بحيث أقرت فرنسا أو الجمعية التأسيسية للثورة
الفرنسية الكبرى سنة 1789 أنه لا ضريبة إلا إذا أقرتها الجمعية إقرارا صريحا و
بملإ حريتها .
إختلفت
التبريرات النظرية الإجتماعية و السياسية الخاصة بالأساس القانوني للضريبة باختلاف
التطور الذي عرفته هذه الأخيرة و يمكن تجميع مراحل هذا التطور في مرحلتين رئيسيتين
تقابلهما نظريتين إثنتين المرحلة الكلاسيكية القديمة التي عرفت بنظرية العقد
الإجتماعي و التي سأتناولها في هذا
المطلب، و المرحلة الحديثة المعاصرة و اعتمدت على النظرية التضامن الإجتماعي و
التي سأتركها مقدمة للمطلب الأخيرة بحيث ظهرت في العصر الحديث.
ظهرت
نظرية العقد المالي في القرنين 18 و 19 في كتابات كل
من هوبس و لوك و جان جاك روسو، الذين اعتبروا أن الأساس القانون للضريبة ذو طبيعة
عقدية و هذا العقد هو عقد مالي يفترض من الناحية الضمنية التزامن متبادلين بين كل
من الدولة و الأفراد، تلتزم الأولى بموجبه تقديم خدمات المرافق العامة و الأمن
للأفراد و يلتزم هؤلاء بالمقابل بدفع الضريبة .
و
تستند نظرية العقد المالي هذه إلى نظرية عرفت في هذه الفترة و هي نظرية العقد الاجتماعي
التي تبناها فلاسفة المذهب الحر و التي انبنا محتواها المركزي على أن الفرد قد
تنازل عند تكوين الجماعة البشرية عن جزء من حقوقه و أمواله للدولة حتى يحظى بحماية
قوانينها.
و قد
إختلف الكتاب الذين أخذوا بهذا النظرية في تكييف طبيعة العقد المالي المعتمد،
فمنهم من قال بأنه عقد بيع خدمات أو إيجارات الأعمال مثل أدم اسميث ومنهم من رأى
بأنه عقد الشركة التسيير و منهم من رأى أنه عقد تأميم منتسكيو و إميل دوجوار .
القانون الضريبي في الدولة المعاصرة
تعتبر
نظرية التضامن الاجتماعي أساس قانوني ثاني تنطلق من معطى وجود الدولة كضرورة
تاريخية و اجتماعية، تقوم بإشباع الحاجات الجماعية و تعمل على تحقيق التضامن
الاجتماعي سواء على مستوى أفرد الجيل الحاضر أم على مستوى أفراد الأجيال السابقة و
اللاحقة، و هذا المعطى يعطي للدولة اعتمادا على مبدأ السيادة حق فرض الضرائب على
الأشخاص الخاضعين لها و هؤلاء يلتزمون من جانبهم تجسيد الفكرة التضامن الاجتماعي،
بدفع واجبهم الضريبي، فمبدأ التضامن الاجتماعي، يقضي بأن تتعاون الأمة بجميع
أفرادها وكل حسب قدرته في تحمل تكاليف الحكم بغض النظر عن الشكل الذي تأخذه عملية
الدفع، ومن ثم فإن الضريبة هي توزيع للأعباء العامة التي يقتضيها التضامن
الإجتماعي بين مجموع الأفراد تكريسا لمبدأ مقابل و هو مبدأ التضامن المالي، و هذه
النظرية صاحبها دوركايم .
تجمع
الدساتير المعاصرة للدول على اختلاف نضم الحكم فيها على ضرورة قيام المجالس التشريعية
بتوزيع الأعباء العامة، حتى لا يتم فرض أو تعديل أو الغاء ضريبة ما إلا بقانون
تصدره السلطة التشريعية، و الذي أصبح فرض الضرائب و تعديلها حقا أصيلا لها دون
السلطة التنفيذية و التي تراعي فقط تنفيد هذه القوانين بعد أن تحصل على الترخيص اللازم
بجباية أموال الضرائب من السلطة التشريعية و سبل انفاقها، من خلال اعطاء لمحة
تاريخية سريعة للقانون الضريبي في العصر الحديث، سأعتمد على الأنظمة الضريبة التي
فرضت على الدول المعاصرة من دول تقليدية إلى دول رأسمالية و اشتراكية و أخيرا دول
نامية.
من
المتفق عليه أن النظام الضريبي هو مجموعة من الضرائب التي تطبقها دولة معينة خلال
فترة زمنية معينة، فالأنظمة الضريبية تختلف باختلاف فلسفة الدولة الاجتماعية و
باختلاف ظروفها الاقتصادية، الا أنه من الممكن و بتحفظ شديد ناجم عن خطورة التعميم
المطلق تثبيت بعض الخطوط العريضة و السمات الأساسية للضرائب في الدول التالية .
الدول التقليدية
ضرائب
ضعيفة المردودية بسبب صغر حجم النفقات العامة، ضرائب محايدة هدفها الأول تغطية
نفقات الدولة دون تدخل في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية.
الدول الرأسمالية
اعتماد
ميزانيتها على الضرائب اعتمادا كبيرا جدا، لذلك فإن الضغط الضريبي في هذه الدول
يكون مرتفعا عادة.
ضرائب
تؤثر في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية، فالضريبة تعتبر من أهم الوسائل التي
تعتمدها الدولة لتوجيه اقتصادياتها و لتغيير المراكز الاجتماعية لأفراد.
ضرائب
متنوعة و متزنة، فهنالك ضريبة على الدخول و ضريبة على الرأسمال و ضريبة على
الاستهلاك و لا توجد ضريبة واحدة تحتل لوحدها نصف حصيلة الضرائب .
الدول الاشتراكية
ضرائب
تخدم التخطيط الاشتراكي اذ أنها جزء من الخطة الاقتصادية
ضرائب
لا يعتمد عليها حاليا في التحولات الاجتماعية: يقول زفيف وزير المالية السابق
لاتحاد السوفياتي في أطروحته سنة 1959 ان الضرائب استطاعت في المرحلة الأولى أن
تلعب دورا كبيرا في اقتصادنا حيث امكنها الحد و القضاء على الرأسمالية من الناحية
الاقتصادية، الا أنها لا تلعب اليوم دورا مهما و لا تساهم الا بقسط ضئيل في تمويل نفقات الدولة .
الدول النامية
ضرائب
تعتمد عل الاستهلاك و التجارة الخارجية أهمية الضرائب غير المباشرة، ضرائب هدفها
الأول تغطية النفقات العامة. لذلك فهي كثيرا ما تكون غير عادلة.
ضرائب
لم تستطيع المساهمة في التنمية الاقتصادية مساهمة فعالة رغم حاجة تلك الدول إلى
التنمية و رغم تسابق الكثير منها الى منح اعفاءاة ضريبية لرؤؤس الاموال الاجنبية.
ضرائب
لا تتناسب أهميتها مع أهمية القطاعات الاقتصادية. ففي الكثير من الدول النامية
تتشكل الزراعة جزءا مهما من الناتج المحلي الاجمالي. ومع ذلك فإن حصيلة الضريبة
الزراعية ضعيفة جدا. هذه السمة ناجمة عن أسباب مالية < أسعار ضريبية مخففة و
تهرب ضريبي > و أسباب سياسية صيطرة بعض الطبقات على السياسة العامة للدولة.
ضرائب مقلدة لدول أخرى ناجمة في كثير من الاحيان عن علاقات إستعمارية




اضف تعليقاً عبر:
الابتسامات